السلايدر الرئيسيتحقيقات

المجلس الأطلسي: ما بعد الأسد.. سوريا أمام اختبار نزع السلاح وإعادة الإدماج لضمان الاستقرار

من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ قال المجلس الأطلسي إن المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد يواجه سلسلة معقدة من التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية، في ظل سعي الحكومة الانتقالية لبناء دولة جديدة، وسط انخراط دولي متزايد، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا.

وأضاف المجلس، في تقرير تحليلي حديث، أن هذا التحول السياسي أتاح للحكومة الانتقالية فرصًا مهمة للانخراط الدولي، لكنه في المقابل فرض التزامات محلية صعبة، أبرزها إطلاق برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR)، إلى جانب إصلاح قطاع الأمن.

وأكد المجلس أن غياب برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يشكّل أحد أبرز التحديات في المرحلة الراهنة، مشيرًا إلى أن هذه البرامج ضرورية لمنع تجدد العنف، وضمان الحماية لجميع فئات المجتمع السوري، خصوصًا الطائفة العلوية التي تعاني من ظروف حرجة بعد تسريح جماعي لمئات الآلاف من جنودها.

وأوضح المجلس أن الكثير من الجنود المسرّحين، معظمهم من الطائفة العلوية التي شكّلت العمود الفقري للجهاز العسكري في عهد الأسد، لم تُوفر لهم أي بدائل اقتصادية أو اجتماعية، مما دفع بعض القادة السابقين إلى تشكيل ميليشيات مسلحة، نفذت هجمات في مارس/آذار 2025، أسفرت عن سقوط قتلى من المدنيين وأفراد الأمن من مختلف الطوائف.

وأشار المجلس إلى أن الحكومة الانتقالية اكتفت بإجراءات تسوية محدودة ونزع سلاح خفيف ومتوسط، دون وضع إطار مؤسسي شامل، مما ترك فراغًا أمنيًا خطيرًا، ساهم في تفجر أعمال عنف طائفي وانتقامي، وزاد من هشاشة الوضع في المناطق الساحلية.

وأضاف المجلس أن استمرار هذه الديناميكيات الميليشياوية، التي تغذيها حالة انعدام الأمن، يوفر بيئة خصبة لتدخلات إقليمية من جهات مثل إيران، الأمر الذي يهدد بنشوء نمط تمرد متقطع قد يُقوّض الاستقرار الوطني.

وأوضح التقرير أن برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أثبتت نجاعتها في تجارب دولية سابقة مثل ليبيريا وكولومبيا وجنوب السودان، مشيرًا إلى أن تطبيق معايير الأمم المتحدة الخاصة ببرامج DDR يمكن أن يُسهم في احتواء المقاتلين السابقين وتحويلهم إلى قوة فاعلة في بناء الدولة، بدلًا من بقائهم مصدرًا محتملاً للعنف.

وقال المجلس إن البرامج يجب أن تشمل ثلاث مراحل رئيسية: نزع السلاح، إعادة التأهيل الاجتماعي والمهني، ثم الإدماج الكامل في المجتمع المدني أو المؤسسي، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوات ستُعزز من فرص عودة اللاجئين وتُمهّد الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة.

وشدد المجلس على أن تفعيل هذه البرامج يتطلب تمويلًا شفافًا ومنظمًا، داعيًا إلى إنشاء “صندوق دعم تعاوني” بإشراف الحكومة السورية وبشراكة مع جهات دولية محايدة، على غرار النماذج المطبقة في العراق وغزة والسودان.

وأوصى المجلس بأن تُخصص موارد الصندوق ليس فقط للمقاتلين المسرّحين من الطائفة العلوية، بل أيضًا لفئات أخرى متضررة، مثل مقاتلي المعارضة الجرحى، في خطوة تعزز العدالة الانتقالية وتُعيد بناء النسيج الاجتماعي.

وأكد التقرير أن دول الخليج يمكن أن تؤدي دورًا حاسمًا في سد الفجوات التمويلية وتوفير الخبرات اللازمة، مشيرًا إلى أن مساهمتها في صناديق مشابهة في اليمن والعراق تُعدّ سابقة يمكن البناء عليها.

وحذّر المجلس من أن تجاهل هذا الملف أو تأخيره قد يؤدي إلى انهيار المسار الانتقالي، مشيرًا إلى أن عودة الدعم الدولي إلى سوريا بعد رفع العقوبات لا تضمن وحدها تحقيق الاستقرار، بل يتطلب الأمر خطوات حاسمة من الحكومة لدمج المقاتلين السابقين وتحقيق العدالة الاجتماعية والأمنية.

وختم المجلس بالقول إن “فرصة الاستقرار في سوريا لن تدوم ما لم يتم اعتماد برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج كجزء محوري من عملية بناء الدولة”، محذرًا من أن غياب هذه البرامج قد يُعيد البلاد إلى دوامة العنف والصراع المسلح، ويُهدد مستقبل المصالحة الوطنية بأكمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى