السلايدر الرئيسيمنوعات

القبض على اثنين من عصابة “متحف اللوفر”.. أحدهما حاول الفرار إلى الجزائر

من سعيد حوا

باريس ـ يورابيا ـ من سعيد حوا ـ كشفت النيابة العامة في باريس عن تطورات جديدة في واحدة من أكبر قضايا السرقات الفنية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، بعد إعلانها القبض على اثنين من أفراد العصابة التي نفذت عملية سرقة جريئة من متحف اللوفر الفرنسي الأسبوع الماضي، بلغت قيمتها التقديرية نحو 88 مليون يورو.

وأوضحت النيابة، في بيان رسمي صدر مساء الأحد، أن عملية الاعتقال جاءت في إطار تحقيق موسع يقوده فريق مكافحة الجريمة المنظمة في العاصمة الفرنسية، مشيرة إلى أن الموقوفين في العقد الثالث من العمر، وينحدران من منطقة سين سان ديني الواقعة شمال شرقي باريس، وهي منطقة معروفة تاريخيًا بتنامي معدلات الجريمة المنظمة وعمليات التهريب.

محاولة هروب مثيرة في مطار شارل ديغول

ووفقًا لما نقلته صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية، فقد تمت مداهمة المشتبه بهما مساء السبت، حيث أُلقي القبض على أحدهما في مطار شارل ديغول الدولي أثناء محاولته مغادرة البلاد.

وكشفت التقارير أن الموقوف كان على وشك الصعود إلى طائرة متجهة إلى الخارج عندما تدخلت قوات الأمن الفرنسية وأوقفته في اللحظة الأخيرة، فيما أفادت محطة «فرانس إنفو» الإخبارية بأنه كان في طريقه إلى الجزائر، الأمر الذي عزز الشبهات حول احتمال وجود شبكة إجرامية عابرة للحدود وراء هذه العملية الدقيقة.

أما المتهم الثاني، فتم القبض عليه في عملية موازية داخل باريس، بعد أن تعقبت الشرطة تحركاته عبر كاميرات المراقبة وإشارات الهواتف المحمولة، فيما لا يزال اثنان آخران من أفراد العصابة في حالة فرار، وتكثف الشرطة عملياتها لتحديد مكانهما.

سرقة هوليوودية من قلب باريس

تعود تفاصيل العملية إلى صباح الأحد الماضي، حين أوقفت العصابة شاحنة نقل أثاث مسروقة ومجهزة بسلم رفع قابل للتمديد أمام بوابة متحف اللوفر — أكثر المتاحف زيارة في العالم — في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحًا.

وبحسب التحقيقات، تنكر اثنان من أفراد العصابة في زي عمال بناء، وارتديا سترات عاكسة للضوء تشبه تلك التي يستخدمها الفنيون في مواقع الترميم، مما مكنهما من الدخول إلى منطقة معرض أبولو الشهير في الطابق الأول، حيث تُعرض بعض من أندر المجوهرات والمقتنيات الملكية الفرنسية.

استغل اللصان ثغرة أمنية في إحدى النوافذ غير المؤمنة بالكامل، قبل أن يستخدما مناشير قرصية كهربائية لفتح خزانتي عرض تحتويان على قطع مجوهرات نادرة ومرصعة بالألماس تعود إلى القرن السابع عشر.

وبعد تنفيذ السرقة في غضون دقائق، استخدم المهاجمان مصعد الرفع الميكانيكي للنزول إلى الشاحنة، ثم فرا بسرعة على ظهر دراجتين ناريتين كان يقودهما شريكان آخران ينتظران بالخارج.

عملية محكمة وتواطؤ محتمل

ووفقًا لمصادر أمنية نقلتها صحيفة «باري ماتش»، تشير التحقيقات الأولية إلى أن العصابة خططت للعملية بدقة عالية، وربما حصلت على معلومات داخلية من موظفين أو مقاولين يعملون في محيط المتحف.

ويُعتقد أن العصابة استخدمت معدات احترافية لقطع الزجاج المدرع والخزائن المعدنية دون تفعيل أنظمة الإنذار في الدقائق الأولى، مما سمح لهم بالفرار قبل وصول وحدات الأمن الداخلي للمتحف.

وقالت الشرطة إن المسروقات تشمل مجوهرات ملكية تاريخية، بعضها ينتمي إلى مقتنيات ماري دي ميديشي، زوجة الملك الفرنسي هنري الرابع، وتقدر قيمتها الفنية والتاريخية بما يتجاوز قيمتها المادية بكثير.

تحقيقات دولية وتعاون أمني مع دول عربية

وأشارت مصادر قريبة من التحقيق إلى أن السلطات الفرنسية بدأت التنسيق مع الإنتربول وعدد من الأجهزة الأمنية في شمال أفريقيا، في ظل احتمال محاولة العصابة تهريب المسروقات إلى الخارج عبر شبكات تهريب المجوهرات والفن المسروق.

ونقلت “لو باريزيان” عن مصدر أمني قوله إن “وجهة الرحلة التي كان المشتبه به الأول في طريقه إليها — الجزائر — تفتح فرضية وجود قنوات تهريب تمتد إلى دول عربية وإفريقية معروفة بتجارة الآثار والمقتنيات النادرة”.

في المقابل، رفض متحف اللوفر التعليق رسميًا على التحقيق الجاري، مكتفيًا بالتأكيد على “تعاونه الكامل مع السلطات”، بينما تم تعزيز الإجراءات الأمنية حول قاعات العرض التاريخية، لا سيما في معرض أبولو الذي يضم أبرز القطع الملكية.

قضية تهز فرنسا

تُعد هذه السرقة من أكبر العمليات التي تستهدف متحف اللوفر منذ إنشائه عام 1793، وأعادت إلى الأذهان حوادث مشابهة شهدتها متاحف أوروبية كبرى في العقد الأخير.
ويرى خبراء الفنون أن العملية “ستجبر إدارة اللوفر على إعادة تقييم أنظمة الحماية الإلكترونية وكاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار”.

وقال خبير الأمن الثقافي الفرنسي باتريك سافاري لصحيفة Le Monde:“السرقة لم تكن عشوائية، بل جرى التخطيط لها بأسلوب احترافي يوحي بوجود خبرة تقنية ومعرفة دقيقة ببنية المتحف الداخلية.”

بينما تتواصل التحقيقات وسط تكتم رسمي، يرى محللون أن العملية تمثل اختبارًا جديدًا لقدرة فرنسا على حماية تراثها الثقافي في وجه عصابات متخصصة في سرقة الأعمال الفنية والمقتنيات التاريخية.
ويبقى السؤال المطروح:
هل سيتمكن المحققون من استعادة مجوهرات اللوفر قبل أن تختفي إلى الأبد في أسواق الفن السوداء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى