السلايدر الرئيسي

“مساعدات مسيّسة”: خطة أمريكية ـ إسرائيلية لإعادة تغليف الحصار على غزة بعباءة إنسانية

غزة – يورابيا ـ وكالات ـ  وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها قطاع غزة، تتكشّف ملامح خطة أمريكية-إسرائيلية مشتركة، ظاهرها إنساني وباطنها، وفق خبراء ومراقبين، إعادة صياغة الحصار وتقييد إدخال المساعدات عبر أدوات “ذكية” وواجهة إنسانية خادعة.

الخطة التي تم الإعلان عن بعض تفاصيلها في الأيام الأخيرة، تقضي بإطلاق ما يسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، وهي هيئة غير ربحية مسجّلة في سويسرا، تتولى توزيع الإمدادات عبر مراكز توزيع آمنة (SDS)، بمزاعم فشل قنوات الإغاثة التقليدية. إلا أن عديد المنظمات الأممية والحقوقية ترى في المشروع مناورة سياسية لشرعنة التجويع والسيطرة.

تهجير ناعم تحت مسمّى “المساعدة”

يرى مراقبون أن ما يجري هو استخدام الطعام كسلاح للضغط، وتقنين الدخول المحدود للمساعدات ليصبح أداة هندسة ديموغرافية. فبدلاً من تلبية الاحتياجات الإنسانية بشكل فوري وكامل كما تفرضه القوانين الدولية، تعمل الخطة على إرهاق السكان تدريجيًا، وإجبارهم على النزوح تحت ضغط الجوع واليأس.

ويؤكد هؤلاء أن المشروع يُعيد إنتاج الحصار “بشكل نظيف إعلاميًا”، مدعومًا بمصطلحات “المساءلة” و”الشفافية” و”الرقابة المستقلة”، في حين يبقى الاحتلال هو المسيطر الفعلي على الأرض والمعابر.

GHF: من يدير المشروع؟

تضم المؤسسة شخصيات بارزة من خلفيات إنسانية وأمنية، أبرزهم:

  • نيت موك (الرئيس السابق لـWorld Central Kitchen)

  • جيك وود (مؤسس ومدير Team Rubicon)

  • ديفيد بيرك (مدير العمليات)

  • جون أكري (رئيس البعثة)

  • ديفيد بيزلي (مدير برنامج الأغذية العالمي السابق – مستشار)

وتشير المؤسسة إلى أن لديها أنظمة تدقيق خارجي وشراكات مصرفية مع JP Morgan وTruist، وتستخدم مركبات مصفحة وشبكات لوجستية آمنة لتوصيل المساعدات.

التوزيع: طعام مشروط ووجبات محسوبة

بحسب GHF، ستخدم مراكز التوزيع الأربع قرابة 1.2 مليون شخص في البداية، مع التوسع إلى أكثر من 2 مليون. وتقدَّر تكلفة الوجبة الواحدة بـ 1.31 دولارًا، تشمل الغذاء والتوصيل والخدمات، ويمكن للمتبرعين دفع 65 دولارًا لتوفير 50 وجبة، أو التبرع بعينيًا.

لكن منظمات أممية مثل يونيسف والأونروا شككت في المشروع، معتبرة أنه يفاقم معاناة الأطفال وينتهك مبدأ استقلالية العمل الإنساني. وتؤكد الأمم المتحدة أنه “لا يمكن تنفيذ عمليات إنسانية حقيقية بدون احترام المبادئ الإنسانية الثلاثة: الحياد، الاستقلال، والإنسانية“.

إسرائيل خارج الصورة… على الورق فقط

تزعم المؤسسة أن الجيش الإسرائيلي لن يتدخل في عملية التوزيع، لكن مراقبين يرون أن السيطرة الفعلية ستظل بيد الاحتلال، من خلال السماح أو منع دخول الشحنات، والتحكم في مواقع المراكز، ما يجعل الحياد مجرد واجهة شكلية.

وقال سفير واشنطن بإسرائيل مايك هاكابي، ان عملية “ستبدأ قريبا” لتوزيع مساعدات غذائية في قطاع غزة المحاصر، مشيرا إلى أن تل أبيب لن تكون جزءا منها.

جاء ذلك في تصريح أمام الصحفيين الجمعة، من أمام مقر السفارة الأمريكية في القدس، نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.

يأتي ذلك غداة حديث إعلام عبري وأمريكي أن الولايات المتحدة تضغط باتجاه الحصول على دعم مجلس الأمن الدولي لمبادرة جديدة تنص على إيصال مساعدات إلى قطاع غزة “دون تدخل مباشر من الجيش الإسرائيلي”، وفق ادعاء واشنطن.

وفيما لم يشر المسؤول إلى الأمريكي إلى مكان مراكز التوزيع، كانت التفاصيل المعلنة للمبادرة الأمريكية “مثيرة للريبة”، خاصة أنها تحقق نفس الغرض المعلن إسرائيليا من مبادرة تروج لها تل أبيب، في الفترة الأخيرة، وهو “إفراغ شمال غزة من المواطنين الفلسطينيين”.

وأفاد هاكابي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “يريد أن تتم عملية توزيع المساعدات الغذائية المحتملة في قطاع غزة بشكل فعال وآمن”.

وأضاف أن “عدة شركاء اتفقوا على آلية توزيع مساعدات بقطاع غزة لا تعتمد على عمل عسكري، وستبدأ قريبا”.

ولفت أن “الشركاء التزموا بتقديم التمويل، إلا أنهم لا يرغبون في الكشف عن هويتهم في الوقت الراهن”.

وأردف أن “إسرائيل لن تكون جزءا من العملية المحتملة لتوزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة”، وفق تعبيره.

وأشار سفير واشنطن بإسرائيل إلى أن “شركات الأمن الخاصة (لم يحددها) ستكون مسؤولة عن ضمان سلامة العمال وتوزيع الغذاء في القطاع”.

واختتم هاكابي بالقول إن “كل شيء سيكون متوافقًا مع قواعد القانون الإنساني الدولي وقواعد الاشتباك، في إطار مشاركة شركات الأمن الخاصة”.

ما الهدف الحقيقي؟

تشير التقديرات إلى أن هذه الخطة تخدم ثلاثة أهداف رئيسية:

  1. توفير مخرج سياسي لأمريكا وإسرائيل من انتقادات الحصار.

  2. نقل إدارة المعونات من الهيئات الأممية إلى جهات خاصة أكثر “مرونة” سياسيًا.

  3. فرض نموذج “التجويع الذكي” كوسيلة للسيطرة وإنهاك السكان ودفعهم للنزوح.

انتقادات للمبادرة الجديدة

انتقد العاملون في مجال الإغاثة الخطط، التي من شأنها أن تمركز التوزيع في أربعة مراكز تحت حماية مقاولي الأمن الخاص. ويقولون إن الخطط لا يمكن أن تلبي احتياجات سكان غزة الكبيرة واليائسة، وأنها ستؤدي إلى نزوح قسري لأعداد كبيرة من الفلسطينيين من خلال دفعهم للانتقال بالقرب من المساعدات.

لا تتوفر معلومات كثيرة عن هذه المؤسسة، لكن ذُكِرَ أنه تمّ تسجيلها كمؤسّسة غير ربحية تحت اسم “مؤسسة إنسانية لغزة” في سويسرا منذ شباط/فبراير، ومقرها جنيف.

وذكرت صحيفة “لو تان” السويسرية أنّ المؤسسة تسعى إلى توظيف “مرتزقة” لضمان أمن توزيع المساعدات. وأعربت منظمة العفو الدولية في سويسرا عن قلقها إزاء هذه المسألة، محذّرة من أنّ مثل هكذا خطوة يمكن أن تتعارض مع القانون الدولي.

ما يُسوّق على أنه حل إنساني لغزة، لا يعدو كونه، وفق منظمات دولية ومحللين، جزءًا من هندسة سياسية قسرية تهدف إلى فرض أمر واقع جديد في القطاع المحاصر. والنتيجة: تحويل المساعدات إلى أداة إذلال وتمهيد لتهجير قسري مقنّع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى