رد مصري صارم على تجاهل أمني بريطاني.. “المعاملة بالمثل” تدخل حيز التنفيذ ولندن تغلق سفارتها بالقاهرة
من سعيد هنداوي
القاهرة ـ يورابيا ـ من سعيد هنداوي ـ كشفت الحكومة البريطانية، الأحد، عن إغلاق المبنى الرئيسي لسفارتها في العاصمة المصرية القاهرة، في أعقاب إجراء أمني مصري تمثل في إزالة الحواجز الأمنية التي كانت قائمة أمام مقر السفارة في حي جاردن سيتي، وسط العاصمة.
وأوضحت الحكومة البريطانية، في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي، أن السلطات المصرية أقدمت في 31 أغسطس على رفع الحواجز الأمنية أمام السفارة، دون تنسيق مسبق، ما اعتبرته لندن خطوة تستوجب مراجعة فورية للترتيبات الأمنية الخاصة بالسفارة، وقررت على إثر ذلك إغلاق المبنى مؤقتاً، إلى حين تقييم الوضع الجديد.
ورغم الإغلاق، أكدت لندن أن الخدمات القنصلية الطارئة لا تزال متاحة، مع دعوة المواطنين البريطانيين إلى الاتصال المسبق بالسفارة للحصول على الإرشادات اللازمة قبل الحضور.
خلفيات سياسية ودبلوماسية
تأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وبعض العواصم الغربية توتراً، على خلفية ما تصفه مصر بـ”التقاعس” في حماية بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، لا سيما في ضوء الاعتداءات التي تعرضت لها السفارات المصرية في لندن وباريس وبرلين، وغيرها، خلال مظاهرات تضامنية مع غزة، حيث تم تحميل مصر مسؤولية الحصار المفروض على القطاع، وهو ما رفضته القاهرة بشكل قاطع، واصفة تلك الاتهامات بأنها “تضليل يخدم الأجندة الإسرائيلية”.
وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد لوّح في تصريحات سابقة بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ضد الدول التي تقاعست عن حماية السفارات المصرية، قائلاً إن “تأمين السفارات مسألة متبادلة تحكمها القوانين الدولية”، وإن أي تراخٍ أو تهاون “سيُقابل بإجراءات دبلوماسية فاعلة”.
حادثة لندن تشعل الخلاف
ويُعتقد أن قرار إزالة الحواجز الأمنية أمام السفارة البريطانية يأتي رداً على حادثة وقعت الأسبوع الماضي في لندن، حيث ألقت الشرطة البريطانية القبض على أحمد عبد القادر ميدو، نائب رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج، أثناء تواجده قرب السفارة المصرية هناك، بزعم التصدي لمحاولات اعتداء على المقر من قبل محتجين.
وأثارت هذه الواقعة غضبًا مصريًا واسعًا، ودفع وزير الخارجية إلى إجراء اتصال مباشر مع مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، طالب خلاله بـ”توضيح ملابسات توقيف المواطن المصري والإفراج الفوري عنه”. ولم تمضِ ساعات حتى أُفرج عن عبد القادر، مما فسّره مراقبون بأنه جاء تحت ضغط القاهرة.
تصعيد مصري ورسائل حازمة
ورداً على تكرار هذه الاعتداءات دون تدخل أمني كافٍ، اتخذت مصر سلسلة من الخطوات التصعيدية، شملت تقليص مستوى التأمين حول بعض السفارات الغربية في القاهرة، وعلى رأسها السفارة البريطانية، ووجهت رسائل دبلوماسية صارمة عبر استدعاء سفراء تلك الدول إلى مقر الخارجية، وإبلاغهم رسمياً بضرورة احترام الالتزامات الدولية بحماية البعثات.
وفي هذا السياق، نُشرت صور عبر وسائل الإعلام المحلية تُظهر إزالة الحواجز الأمنية أمام السفارة البريطانية في القاهرة، في ما اعتُبر تطبيقاً عملياً لمبدأ “المعاملة بالمثل”، وهي الخطوة التي أثارت قلقاً فورياً في أوساط دبلوماسية بريطانية، وسرّعت من قرار لندن بإغلاق المبنى لحين مراجعة الوضع الأمني.
خلفية التصعيد: غزة في قلب الحدث
التحركات المصرية جاءت وسط حملة احتجاجات دولية متصاعدة ضد الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والتي دخلت عامها الثاني، حيث واجهت القاهرة اتهامات بالضلوع في الحصار المفروض على القطاع. ورفضت الحكومة المصرية تلك الاتهامات، معتبرة أن “الاحتجاجات أمام السفارات المصرية مُسيّسة وتخدم أجندات خبيثة تهدف إلى التغطية على الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة”.
وأكدت القاهرة، في عدة بيانات رسمية، أن الضغوط يجب أن تُوجّه إلى إسرائيل، باعتبارها “المسؤول الحقيقي عن الكارثة الإنسانية في غزة”، لا إلى الدول العربية التي تسعى إلى تهدئة النزاع واحتواء آثاره الكارثية على المدنيين.
هل نشهد أزمة دبلوماسية؟
يرى مراقبون أن التصعيد المتبادل، وإن بدا حتى الآن تحت السيطرة، ينذر بتوتر أوسع في العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وعدد من العواصم الغربية، خاصة في حال تكرار حوادث مشابهة.
كما أن قرار بريطانيا بإغلاق سفارتها في القاهرة بشكل مؤقت قد يُشكّل سابقة، ويعكس مستوى القلق من إجراءات “المعاملة بالمثل” التي تعتمدها القاهرة بشكل متصاعد.
وفي ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة بسبب العدوان على غزة، فإن العلاقات الدبلوماسية بين الشرق والغرب مرشحة لمزيد من التأزيم ما لم تُوضع ضوابط واضحة لاحترام سيادة الدول وحماية بعثاتها في الداخل والخارج.