صحف

واشنطن بوست: ترامب وممداني… خصمان لا يستطيعان التوقف عن الحديث عن بعضهما: معركة على روح نيويورك

من سعيد جوهر

واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ في تقرير موسع تناول المشهد السياسي الساخن في نيويورك، قالت صحيفة واشنطن بوست إن العلاقة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والسياسي التقدمي الشاب زهران ممداني تجاوزت حدود الخصومة السياسية التقليدية، لتتحول إلى ما وصفته الصحيفة بـ”أفضل الأعداء” — خصمان لا يستطيعان التوقف عن الحديث عن بعضهما البعض.

وأضافت الصحيفة أن كلا الرجلين يجد في الآخر فائدة سياسية واضحة؛ فترامب، الذي يسعى لترسيخ صورته كرجل القانون والنظام، يرى في ممداني تجسيدًا لليسار التقدمي الراديكالي الذي يهاجمه باستمرار. أما ممداني، عضو الجمعية التشريعية في نيويورك والمرشح الأوفر حظًا لمنصب عمدة المدينة، فيستفيد من مهاجمة ترامب لتوحيد صفوف الديمقراطيين المنقسمين خلفه، وتحويل حملته إلى معركة رمزية ضد سياسات اليمين الشعبوي.

وتابعت واشنطن بوست أن ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، وقف مؤخرًا أمام حشدٍ يضم نحو 13 ألفًا من أنصاره في نيويورك، مرددًا هتافات جماعية حول خفض الإيجارات، وتسريع المواصلات، وتوفير رعاية الأطفال، وتمويل هذه السياسات من خلال “فرض ضرائب على الأغنياء”. وفي المقابل، أمضى ترامب شهورًا في مهاجمته، واصفًا إياه بأنه “شيوعي”، و”مجنون”، و”أحد أخطر السياسيين في أمريكا”، بل وهدد بحرمان نيويورك من التمويل الفيدرالي إذا فاز ممداني بالمنصب.

وقالت الصحيفة إن سباق رئاسة بلدية نيويورك الحالي يُعدّ من أكثر السباقات إثارة في تاريخ المدينة الحديث. فالمنافسة لم تَعُد محصورة داخل حدود البلدية، بل تحولت إلى اختبار وطني بين تيارين متناقضين: ترامب الذي يستخدم سلطته الفيدرالية لتقييد المدن الديمقراطية، وممداني الذي يعد بمقاومة هذه السلطة من داخل مبنى البلدية.

ورأت واشنطن بوست أن المفارقة اللافتة تكمن في التشابه بين الرجلين رغم عدائهما الظاهر. فكلاهما من نيويورك، وكلاهما خاض انتخاباتٍ تمرد فيها على مؤسسته الحزبية. كلاهما اعتمد خطابًا شعبويًا يُخاطب الطبقة العاملة ويهاجم النخب، وكلاهما يتقن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبناء قاعدة جماهيرية مخلصة تعتبره صوتًا أصيلًا في مشهد سياسي يعج بالشعارات الفارغة.

وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب حاول التأثير في السباق من خلف الكواليس عبر حلفائه، الذين سعوا لإقناع المرشحين الآخرين، مثل العمدة الحالي إريك آدامز والجمهوري كورتيس سليوا، بالانسحاب من السباق لتمهيد الطريق أمام أندرو كومو كمرشح أكثر اعتدالًا في مواجهة ممداني. غير أن هذه التحركات لم تحقق نتائجها المرجوة، فانسحب آدامز بينما واصل سليوا الترشح دون زخمٍ حقيقي.

وقالت واشنطن بوست إن الهجمات المتبادلة بين ترامب وممداني باتت مادة يومية في وسائل الإعلام الأمريكية. فترامب يصف خصمه بأنه “مجنون اشتراكي يريد تدمير المدينة”، بينما يردّ ممداني بأنه “أسوأ كوابيس ترامب” و”صوت نيويورك الحرّ في وجه الاستبداد الفيدرالي”. وقد تعهّد بمواجهة ترامب “في كل خطوة”، مؤكدًا أنه لن يسمح للرئيس بالتدخل في شؤون مدينته أو قطع تمويلها.

وترى الصحيفة أن المعركة تتجاوز الشخصين لتصبح صراعًا على روح مدينة نيويورك نفسها، التي تعتمد في موازنتها السنوية لعام 2026 على أكثر من 7.4 مليارات دولار من التمويل الفيدرالي، في وقتٍ حذّر فيه مراقبون من أن معظم هذه الأموال قد تُعرض للتجميد أو الإلغاء بقرار من البيت الأبيض.

وقد سبق لإدارة ترامب أن جمّدت أكثر من 18 مليار دولار من مشروعات البنية التحتية في المدن الكبرى، في خطوة وصفتها الصحيفة بأنها جزء من “نهج العقاب السياسي” الذي يتبناه الرئيس تجاه المدن الديمقراطية.

وأضافت واشنطن بوست أن حملة ممداني ركزت على قضايا المعيشة اليومية — الإيجارات، والنقل، والرعاية الصحية، والضرائب العادلة — وهي رسائل لاقت صدىً واسعًا بين الشباب والطبقة المتوسطة، ما جعل استطلاعات الرأي تضعه في الصدارة بفارق مريح عن منافسيه أندرو كومو وكورتيس سليوا.

وحظي ممداني بدعم شخصيات بارزة في التيار التقدمي مثل ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وبيرني ساندرز، بينما ظلّ الديمقراطيون الوسطيون مترددين في تأييده، وفي مقدمتهم حاكمة نيويورك كاثي هوشول، التي أعلنت دعمها له في سبتمبر بعد تردد طويل، مبررة ذلك بقولها:”أحتاج إلى التأكد من أن العمدة القادم لن يكون شخصًا يخضع لسياسات ترامب ولو قيد أنملة.”

ورغم حدة المنافسة، خلصت الصحيفة إلى أن العلاقة بين ترامب وممداني تتجاوز الخصومة السياسية التقليدية. فكلٌ منهما يجد في الآخر مرآةً لذاته السياسية — ترامب يرى في ممداني تجسيدًا للتهديد اليساري الذي يوحّد الجمهوريين خلفه، وممداني يرى في ترامب الخصم المثالي الذي يعزز رسالته عن العدالة والمساواة.

واختتمت واشنطن بوست تقريرها بالقول:”في مدينة لا تنام، قد تكون هذه المعركة أكثر من مجرد سباق على مقعد العمدة — إنها مواجهة بين رؤيتين لأمريكا: إحداهما تريد استعادة الماضي، والأخرى تصرّ على صياغة المستقبل.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى