أقلام مختارة

نزاع الصحراء: البحث عن بوصلة المفاوضات؟

حسين مجدوبي

اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره يوم 31 أكتوبر 2025 الحكم الذاتي، مرجعا لمفاوضات لحل نزاع الصحراء الغربية، قرار يطرح تحديات كبرى حول تسيير المفاوضات المقبلة، ونوع الحكم الذاتي لإقناع جبهة البوليساريو بالمفاوضات. ويبقى القرار نسبيا عودة إلى الصيغة الأولى لمقترح جيمس بيكر المبعوث الشخصي للأمين العام في هذا النزاع، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي طرح سنة 2000 خيار الحكم الذاتي حلا للنزاع، قبل أن يقدم صيغة أخرى سنة 2003 التي نصت على الحكم الذاتي لخمس سنوات ثم إجراء استفتاء تقرير المصير.
واتضح جليا كيف أن الأعضاء المنتمين لكتلة الغرب بزعامة واشنطن ومن يدور في فلكها، صوتوا لصالح القرار، بينما محور روسيا والصين ومعهما باكستان امتنعوا عن التصويت، وغياب الجزائر التي تدور في هذا الفلك عن التصويت. هذا التصويت يبرز رهان الغرب على الحكم الذاتي، ورفضه تأسيس دولة جديدة جنوب المغرب، حتى لا تكون منصة لكل من روسيا والصين مستقبلا في ظل تبلور الحرب الباردة الجديدة.
ورهان الغرب السياسي على الحكم الذاتي، علاوة على تفهم مطالب المغرب، هو كذلك ترجمة لتوصيات مؤسسات عسكرية غربية وعلى رأسها الأمريكية بضرورة مساعدة المغرب في الحكم الذاتي، لأسباب تاريخية وجيوسياسية. وأستحضر هنا دراسة صدرت سنة 2013 بعنوان «الحرب والعصيان في الصحراء الغربية»، من معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكلية الحربية للجيش الأمريكي اعتبرت أن «تأسيس دولة في الصحراء الغربية ليس حلا واقعيا، بينما يبقى الحل الأنسب لمصالح الجميع هو الحكم الذاتي»، شريطة، وفق التقرير أن «يتقدم المغرب خطوات حقيقية في إرساء الديمقراطية ومحاربة الفساد». ويطالب كلا من باريس ومدريد الانخراط في تشجيع المغرب على الحكم الذاتي.

وعلاقة بالجزائر، هذه هي المرة الثانية التي تتعرض لخسارة في قضية دولية، ولا تقف كل من الصين وروسيا إلى جانبها. فقد فشلت صيف 2023 في الدخول إلى نادي بريكس، رغم وعود موسكو وبكين لها، وها هي الآن ترى البلدين، وقد امتنعا عن استعمال الفيتو ضد قرار 31 أكتوبر، الذي يهمش مبدأ تقرير المصير، بل لم يصوتا حتى بلا. دون شك، يتساءل صناع القرار في الجزائر عن جدوى الاستمرار في الارتباط بكل من موسكو وبكين، في وقت تخذلان فيه حلفاءهما، والأمثلة ناطقة، كما حدث مع سوريا بسقوط نظام بشار الأسد، وعدم الوقوف إلى جانب إيران بشكل مباشر خلال هجمات واشنطن وإسرائيل ضد هذا البلد، ويترددان في مساعدة فنزويلا، أمام الضغط الأمريكي حاليا. قد يدفع هذا الجزائر لإعادة دبلوماسيتها تجاه الغرب، وذلك بالاقتراب التدريجي والمحتشم، خاصة أن سوق صادراتها من الطاقة هو الغرب وليس روسيا أو الصين. وعليه، لا يمكن كذلك استبعاد قبول الجزائر لصيغة متقدمة للحكم الذاتي ولو حلا مؤقتا، لأن هذا المقترح تقدمت به الجزائر نفسها، بتطوير مقترح الملك الراحل الحسن الثاني باستعداده التفاوض مع البوليساريو، مع ضرورة الحفاظ على العلم والطابع البريدي والعملة في الصحراء. وقامت الجزائر بصياغة مقترح كونفدرالي يراعي هذه المعطيات، وقدمته للملك الراحل في فبراير 1985، يمنح السيادة العليا للملك على الصحراء، بما فيها الدفاع والخارجية مقابل صلاحيات ميدانية للقاء والأمن والاقتصاد للبوليساريو.
وهكذا، ستتوجه الأنظار إلى العرض الذي سيتقدم به المغرب حول الحكم الذاتي. ذلك أن قرار مجلس الأمن ينص على «الحكم الذاتي الحقيقي»، وهذا يعني أن المنتظم الدولي، يرى في العرض الذي تقدم به المغرب سنة 2007 محدود الصلاحيات، وتعهد الملك محمد السادس في خطاب 31 أكتوبر «وفي سياق هذا القرار الأممي، بقيام المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي». ويؤكد المغرب أنه يستوحي مضمون العرض الذي سيتم تقديمه من المواثيق الدولية مثل الأمم المتحدة ومن دول الجوار الجغرافي، في إشارة إلى إسبانيا التي تتمتع أقاليمها بالحكم الذاتي المتطور مثل بلد الباسك. ومن دون شك، سيكون الحكم الذاتي في حالة تطبيقه تحت مراقبة أممية بتحول مهمة المينورسو من تنظيم الاستفتاء إلى تسهيل تطبيق الحكم الذاتي، للمساعدة في تسهيل العلاقة بين السلطة المركزية في الرباط، والإقليمية الحكم الذاتي في العيون في حالة الاختلافات. كما أن المرحلة الأولى تتطلب دعما دوليا، سواء لتطبيق صلاحيات الحكم الذاتي في تسيير قطاعات مثل الموارد الطبيعية المحلية والقضاء والأمن والتعليم، أو كيفية استقبال ساكنة تندوف في حالة قرار العودة، لأن الأمر سيتطلب إعدادا لوجيستيا مثل بناء عشرات الآلاف من المنازل، علاوة على ضرورة المصالحة بحكم أن جيلين من البوليساريو تربيا على العداء المطلق للمغرب، وفئة من المغاربة تناصب أنصار تقرير المصير العداء وتصفهم بالمرتزقة.
الحكم الذاتي الذي يدعو إليه مجلس الأمن، يتضمن مصطلحات ذات دلالة لافتة الرمزية سياسيا وقانونيا وهي: «حقيقي» و» تقرير المصير» و»يمكن»، وتقول فقرة القرار « يدعو الطرفين إلى المشاركة في هذه المناقشات، من دون شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين، يكفل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، ويقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر جدوى، ويشجع الطرفين على تقديم أفكار لدعم حل نهائي مقبول للطرفين». وعلى ضوء فقرة القرار، يفترض أن يقوم الحكم الذاتي على مفهومين، أن يشعر الصحراويون سواء الوحدويين، أو أنصار جبهة البوليساريو بأنهم يمارسون صلاحياتهم وكأنهم في كيان خاص بهم بمثابة دولة. في المقابل، أن يشعر المغرب بأن سيادته على الصحراء لم تمس. بمعنى التوفيق بين المفهوم الفيدرالي والكونفدرالي.
ويبقى النموذج الأقرب إلى هذا المفهوم، على الرغم من اختلاف السياق التاريخي هو تجربة شعب أنويت في تأسيس إقليم نونافوت وسط كندا، والارتباط القانوني بين غرينلاند ومملكة الدنمارك والعلاقة بين اسكتلندا وبريطانيا، وأساسا نموذج تيرول الجنوبية في إيطاليا، وعلاقة المنطقة بالنمسا التي تمتعت بحقوقها تحت إشراف الأمم المتحدة سنة 1972. وهذه نماذج تقدم ما يعرف «استفتاء تقرير المصير الداخلي»، أي التوفر على كيان يشبه الدولة، ولكن داخل الدولة المركزية. وكل هذه الترتيبات تمر عبر ديمقراطية حقيقية. تقوم على الاحترام الحقيقي لحقوق الإنسان وحرية التعبير ومكافحة الفساد. ويبقى التحدي الكبير الآن هو: كيف يمكن إقناع البوليساريو بمفاوضات الحكم الذاتي؟ لقد أعلنت جبهة البوليساريو رفضها للمفاوضات، إذا لم تتضمن استفتاء تقرير المصير، غير أنها في الظروف الحالية لا تمتلك القوة العسكرية لفرض واقع جديد كما كان عليه الشأن في السبعينيات والثمانينيات. وعليه، لا يمكن استبعاد مشاركتها خلال الشهور المقبلة في المفاوضات، لاسيما إذا تعرضت للضغط من طرف واشنطن وعواصم أوروبية، ولو للبحث عن حل مؤقت، كما أن القرار يتضمن نسبيا «تقرير المصير» والانفتاح على «أفكار أخرى» مما قد يشجعها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي « يجب أن لا نخاف من التفاوض»، كل ما ينقص هو بوصلة حقيقية للمفاوضات.

كاتب مغربي

عن صحيفة القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى