مجلة إنتلجنسير: الحزب الديمقراطي الأمريكي يعيش لحظة انقسام بين زهران ممداني وميكي شيريل
من سعيد جوهر

واشنطن ـ يورابيا ـ من سعيد جوهر ـ قالت مجلة «إنتلجنسير» الأمريكية إن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة يعيش حالة انقسام عميقة حول مستقبله السياسي والفكري، بين جناحين متناقضين يقودهما نائبان صاعدان يعكسان وجهين مختلفين لأمريكا المعاصرة: زهران ممداني، ممثل التيار التقدمي اليساري، وميكي شيريل، الصوت البراغماتي الوسطي.
وأضافت المجلة أن هذه المواجهة لا تقتصر على التنافس بين شخصين، بل تعبّر عن صراع بين جيلين ورؤيتين لمستقبل الحزب في مرحلة ما بعد الرئيس جو بايدن، حيث تتساءل القواعد الديمقراطية اليوم: هل يجب أن يتحوّل الحزب إلى حركة شعبية جذرية تسعى لتغيير النظام، أم يبقى حزب المؤسسات الذي يدير الدولة بواقعية وحذر؟
ممداني… ابن المهاجرين وصوت الجيل الغاضب
وأشارت المجلة إلى أن زهران ممداني، النائب الشاب من نيويورك، أصبح أحد أبرز رموز الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، بفضل خطابه الذي يجمع بين نبرة الاحتجاج الاجتماعي والطابع الإنساني الأخلاقي.
وقالت المجلة إن ممداني، المولود في أوغندا لعائلة من أصول هندية، يمثل نموذج “المهاجر الذي يعيد تعريف الانتماء الأمريكي”، مضيفةً أنه يطالب بتبني سياسات تعيد الاعتبار للطبقة العاملة والمهمشين والمهاجرين.
وأضافت «إنتلجنسير» أن ممداني لا يكتفي بانتقاد النظام الاقتصادي الأمريكي، بل يسعى إلى بناء مشروع بديل يقوم على العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية المجانية والتعليم الميسّر، معتبرًا أن الدولة يجب أن “تخدم الناس لا رأس المال”.
ونقلت عنه قوله في أحد تجمعاته الانتخابية:“ما يريده الناس هو أن يشعروا بأنهم مرئيون. نريد كرامة لا صدقات.”
ورأت المجلة أن هذا الخطاب يجعل ممداني قريبًا من جيل الشباب الأمريكي الذي يعيش إحباطًا اقتصاديًا وهوياتيًا، كما يلقى دعمًا متزايدًا من شخصيات يسارية مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وبيرني ساندرز.
شيريل… الواقعية في مواجهة الحلم

وفي المقابل، قالت المجلة إن ميكي شيريل، النائبة عن ولاية نيوجيرسي، تمثل المدرسة البراغماتية داخل الحزب الديمقراطي، وهي الجناح الذي يرى أن التغيير يجب أن يتم من داخل المؤسسات لا عبر مواجهتها.
وأضافت أن شيريل، وهي ضابطة سابقة في البحرية الأمريكية ومحامية، اكتسبت سمعة بأنها “الصوت العاقل” الذي يسعى لتوحيد الحزب والاحتفاظ بثقة الطبقة الوسطى.
وقالت «إنتلجنسير» إن شيريل تؤمن بأن المبالغة في التوجه اليساري قد تضرّ بفرص الديمقراطيين في كسب الولايات المتأرجحة، معتبرة أن الحفاظ على التوازن بين القيم الليبرالية والواقعية السياسية هو مفتاح النجاح الانتخابي.
وأضافت المجلة أن شيريل تفضّل “العمل بصمت داخل المؤسسات على إطلاق الشعارات في الشوارع”، مشيرةً إلى أنها تحظى بتقدير خاص بين الناخبين المستقلين والمعتدلين.
صراع داخل البيت الديمقراطي
ورأت المجلة أن الخلاف بين ممداني وشيريل هو انعكاس لانقسام أوسع داخل الحزب بين من يريد تحويله إلى حركة جماهيرية تعبّر عن الغضب الشعبي، ومن يسعى إلى ترسيخ صورته كحزب مسؤول قادر على الحكم.
وقالت إن المؤسسة الديمقراطية التقليدية تشعر بالقلق من تنامي نفوذ الجناح التقدمي، بينما يرى الشباب أن الجناح الوسطي فقد قدرته على الإلهام بعد سنوات من التردد والتسويات.
وأضافت «إنتلجنسير» أن الجدل حول هوية الحزب لم يعد مجرد نقاش فكري، بل أصبح صراعًا على الشرعية داخل القواعد. فالمؤسسة تخشى أن يتسبب التوجه اليساري بخسارة الانتخابات، بينما يعتقد التقدميون أن الاعتدال المفرط هو ما أفقد الحزب حماسه الشعبي.
ونقلت المجلة عن أحد المحللين السياسيين قوله:“شيريل تمثل الحزب كما كان، وممداني يمثل الحزب كما يمكن أن يكون.”
الإعلام والانقسام الرمزي
وقالت المجلة إن الإعلام الأمريكي ساهم في تضخيم هذا الانقسام، إذ تقدّم الصحف الليبرالية ممداني كرمز لجيل متنوع يسعى إلى العدالة، فيما تصوّر شيريل على أنها الوريثة الطبيعية للتيار الكلاسيكي في الحزب.
وأضافت أن رمزية الشخصيتين واضحة: فممداني هو وجه المهاجرين والملونين، بينما تمثل شيريل الطبقة البيضاء المتعلمة التي بنت الحزب خلال النصف قرن الأخير.
ورأت «إنتلجنسير» أن الحزب الديمقراطي اليوم يشبه “بيتًا مزدحمًا بالأفكار والقلق”، حيث تتجاور الرؤى المتناقضة حول الاقتصاد، والهوية، ودور الدولة.
وقالت المجلة إن بعض القادة الديمقراطيين يخشون أن يتحول الخلاف الفكري إلى انقسام تنظيمي على غرار ما حدث للحزب الجمهوري خلال صعود دونالد ترامب، معتبرة أن التحدي الأكبر للحزب هو “الحفاظ على التنوع دون الانقسام”.
ما بعد بايدن: من يكتب ميثاق الحزب القادم؟
وأضافت المجلة أن اقتراب نهاية ولاية بايدن الثانية يدفع النقاش الداخلي إلى ذروته، إذ يسعى كل جناح إلى فرض رؤيته على أجندة الحزب المقبلة.
وقالت إن ممداني يدفع نحو ما يسميه “إعادة كتابة الميثاق الديمقراطي” ليكون أكثر جرأة في مواجهة الرأسمالية، في حين تحذر شيريل من أن الخطاب الثوري قد يُفقد الحزب ثقة الوسط الأمريكي.
وأشارت «إنتلجنسير» إلى أن هذا الجدل لا يدور فقط حول الانتخابات، بل حول معنى أن تكون “ديمقراطيًا” في الولايات المتحدة اليوم، وهل هو انتماء أيديولوجي أم إطار عملي للحكم؟
وأضافت أن كثيرين يرون أن الصراع بين ممداني وشيريل سيحدد هوية الحزب لعقد قادم على الأقل، وربما يرسم ملامح السياسة الأمريكية بعد حقبة ترامب وبايدن معًا.
الحزب بين الحلم والحذر
وختمت المجلة تقريرها بالقول إن الديمقراطيين يقفون عند مفترق طرق حاسم: إما أن يتبنوا جرأة التيار التقدمي ويغامروا بإعادة تعريف السياسة الأمريكية، أو أن يتمسكوا بواقعية الجناح الوسطي أملاً في الحفاظ على التوازن والاستقرار.
وقالت إن زهران ممداني وميكي شيريل ليسا مجرد نائبين في الكونغرس، بل رمزين لاتجاهين متعارضين في روح الحزب الديمقراطي — أحدهما يؤمن بالحلم، والآخر يتمسك بالحذر.
وأضافت «إنتلجنسير» أن المستقبل سيكشف ما إذا كان الحزب الديمقراطي قادرًا على الجمع بين الحلم والحذر في آنٍ واحد، أم أنه سينقسم كما انقسم خصمه الجمهوري قبل عقد من الزمن.