السلايدر الرئيسيمنوعات

تقارير غربية: مهرجانات الترفيه في السعودية.. سياسة المرح لتبييض الصورة وتغييب الوعي تنقلب على تركي ال الشيخ وبن سلمان

من سعيد سلامة

لندن ـ يورابيا ـ من سعيد سلامة ـ على مدار أسبوعين من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025، تحولت العاصمة السعودية الرياض إلى مسرح مفتوح لمهرجانات ضخمة تحت رعاية هيئة الترفيه، شملت فعاليات “مهرجان الرياض للكوميديا” و**“جوي فورم” (Joy Forum)**، في إطار ما وصفته تقارير بريطانية وأميركية بأنها “سياسة المرح” التي يتبعها النظام السعودي لتجميل صورته في الخارج، وصرف الأنظار داخليًا عن القمع السياسي والقيود على الحريات.

وقالت التقارير إن هذه الفعاليات تأتي ضمن “رؤية 2030”، التي يتبناها ولي العهد محمد بن سلمان، وتُقدَّم للعالم بوصفها تجسيدًا لانفتاح المملكة وتحوّلها نحو مجتمع “عصري ومنفتح”، غير أن المراقبين يرونها جزءًا من حملة تلميع واسعة تهدف لتبييض سجل النظام الحقوقي.

مهرجانات المليارات

المهرجان الأول، “الرياض للكوميديا”، استمر من 26 سبتمبر حتى 9 أكتوبر 2025، واستضاف أكثر من 50 نجمًا عالميًا في مجال “الستاند أب كوميدي”، من أبرزهم ديف شابل، وكيفن هارت، ولويس سي.كي، إلى جانب نجوم من الشرق الأوسط.
أقيمت العروض في منطقة “بوليفارد سيتي” الفاخرة وسط العاصمة، في أجواء احتفالية ركزت على الترفيه أكثر من المحتوى الفني أو الثقافي.

أما الحدث الثاني، “جوي فورم” (Joy Forum)، الذي عُقد بين 16 و17 أكتوبر، فجمع عشرات من نجوم السينما العالميين والهنود مثل شاروخان وسلمان خان وعامر خان، إلى جانب ممثلين من كوريا والولايات المتحدة، في جلسات وندوات حول صناعة الترفيه، وسط إنفاق ضخم على الإقامة والتجهيزات والضيافة.

ويرأس هذه الفعاليات تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه والمستشار المقرب من ولي العهد، الذي أشرف كذلك على “جوَي أواردز” (Joy Awards) في يناير من العام نفسه، وهو حفل لتكريم مشاهير الفن من مختلف أنحاء العالم.

لكن خلف بريق الأضواء والابتسامات، كانت التكلفة خيالية.
فقد كشفت مجلة نيوزويك وشبكة إيه بي سي الأميركيتان أن بعض نجوم الكوميديا العالميين تقاضوا أجورًا تتراوح بين 500 ألف و1.6 مليون دولار للعرض الواحد.

الكوميدي الأميركي تيم ديلون أكد بنفسه أنه عُرض عليه 375 ألف دولار لأداء عرض واحد، وأن المبلغ الإجمالي الذي حصل عليه بلغ 569 ألف دولار شاملة تكاليف السفر والإقامة، لكنه أُبعد لاحقًا من البرنامج بسبب نكاته التي تناولت “العبودية في السعودية”.

وفي المقابل، تقدر تقارير هندية (موقع Money Control وSky Events India) أن نجوم بوليوود الذين شاركوا في “جوي فورم” تلقوا أجورًا تتراوح بين نصف مليون وثلاثة ملايين دولار لكل ظهور إعلامي أو جلسة، خاصة في أسواق الخليج التي تدفع مبالغ أكبر للفعاليات ذات الطابع الدولي.

انقسام الكوميديين وانتقادات لاذعة

غير أن الهدف الأساسي من المهرجانات، وهو تحسين صورة النظام السعودي، انقلب ضد منظميه.
فقد صرّح عدد من الكوميديين الذين شاركوا أو تلقوا عروضاً مالية ضخمة بأنهم نادمون على المشاركة أو رفضوا الظهور لأسباب أخلاقية.

الكوميدي الأميركي عزيز أنصاري قال بعد عودته من الرياض:“الذين دفعوا لنا ليسوا أشخاصًا طيبين، والنظام السعودي وحشي جدًا… سأتبرع بجزء من المبلغ الذي حصلت عليه لدعم حرية الصحافة وحقوق الإنسان.”

أما الكوميدي الهندي-الأميركي نيميش باتيل فانسحب قبل أيام من المهرجان بعد حملة ضغط من جمهوره، وقال في بيان: “لا يمكنني أن أكون جزءًا من حدث ترعاه حكومة تقمع حرية التعبير”.

وتحدث آخرون مثل شين جيليس وستافروس هالكياس عن رفضهم العروض المغرية، فيما نشرت الكوميدية أتسوكو أوكاتسوكا صورة من الدعوة معلنة رفضها الذهاب، وأكد كل من مايك بيربيجليا وليزلي لياو انسحابهما أيضًا.

مجلة تايم الأميركية وصفت الحدث بأنه “مهرجان مثير للانقسام في عالم الكوميديا”، وقالت في تقريرها (29 سبتمبر 2025):“المهرجان السعودي الممول حكوميًا شطر مجتمع الكوميديين بين من قبل المال ومن رفض المشاركة في تبييض نظام متهم بالقمع الوحشي.”

حتى المشاركون الذين قبلوا الدعوات، مثل الكوميدية جيسيكا كيرسون، لم يسلموا من الانتقادات.
فقد طلبت أن تُسمح لها بإعلان ميولها الجنسية على المسرح كشرط لمشاركتها، ثم تبرعت بأجرها الكامل لمنظمة تدافع عن حقوق الشواذ بعد عودتها، معتذرة لجمهورها، بحسب موقع هوليوود ريبورتر.

سخط شعبي واتهامات بالبذخ والتغريب

داخل السعودية، أثارت المهرجانات جدلاً شعبيًا واسعًا بسبب ما وُصف بأنه “إسراف في الأموال العامة على محتوى غربي مبتذل لا يمثل المجتمع”.
شكا مواطنون من أن العروض تضمنت نكات فاحشة عن الجنس والمثلية والنقاب وقيادة النساء، وقالوا إن “الكوميديين الأجانب يُمنحون حرية السخرية من السعوديين ودينهم، بينما لا يجرؤ أحد على النكتة حول الدولة أو قادتها.”

مجلة ذي أتلانتيك الأميركية (15 أكتوبر 2025) تساءلت:“ما معنى أن تُقام عروض ‘ستاند أب كوميدي’ في مملكة دينية صارمة؟ وهل يمكن لنكات عن الشذوذ وسفاح القربى أن تُحقق الإصلاح السياسي في السعودية؟”

نتائج عكسية وتوبيخ دولي

بدلاً من تحسين صورة المملكة، جلبت هذه المهرجانات انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وإعلامية.
فقد قالت هيومن رايتس ووتش (15 أكتوبر 2025) إن السعودية “تستخدم المهرجانات الفنية لصرف الانتباه عن سجلها القاتم في حرية التعبير”، داعية الفنانين إلى “عدم المشاركة في تبييض القمع”.

أما صحيفة واشنطن بوست فوصفت المهرجان بأنه “نموذج فاضح للنفاق الفني”، وقالت (30 سبتمبر 2025):“من المثير للاشمئزاز أن يتقاضى الكوميديون ملايين الدولارات من نظام قد يؤدي فيه التعبير الساخر إلى الإعدام حرفياً.”

وقالت نيويورك تايمز (2 أكتوبر 2025):“إذا كان هدف مهرجان الرياض للكوميديا هو إسكات الانتقادات الموجهة للحكومة السعودية، فقد أتى بنتائج عكسية تماماً.”

وأضافت أن “تخفيف القيود الاجتماعية في المملكة ترافق مع خنق غير مسبوق للحوار السياسي، ما جعل هذه المهرجانات أشبه بمحاولة فاشلة لتلميع الاستبداد بالضحك.”

تؤكد معظم التقارير أن ما يُعرف بـ “سياسة المرح” التي يتبناها النظام السعودي عبر هيئة الترفيه، ليست سوى أداة سياسية ناعمة تهدف إلى تصدير صورة الانفتاح وتغطية القمع الداخلي.
لكن المفارقة، بحسب وصف مجلة تايم، أن “السعودية دفعت ملايين الدولارات لتشتري الصمت، فاشترت بدلاً منه موجة جديدة من الانتقادات والسخرية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى