تركيا تتقدم على خطّي المياه والنفط في العراق: ملء الفراغ بعد تراجع النفوذ الإيراني

لندن ـ يورابيا ـ تشهد الساحة العراقية تحوّلاً استراتيجيًا لافتًا في موازين القوى، مع بروز تركيا كلاعب متقدم على خطّي المياه والطاقة، في وقت يتراجع فيه النفوذ الإيراني تدريجيًا داخل البلاد.
وبحسب ورقة تحليل موقف أصدرها مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن، فإن هذا التحول يجري ضمن تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وأنقرة، تمنح تركيا مساحة أكبر للحركة داخل العراق، بهدف ملء الفراغ المتوقع نتيجة انحسار الدور الإيراني.
وترى الورقة أن الأزمة المزمنة في قطاع الكهرباء العراقي، وما يصاحبها من ضغوط داخلية، فتحت الباب أمام أنقرة لتوظيف ملف المياه كمدخل استراتيجي للتأثير في الداخل العراقي.
وتشير الورقة إلى أن تركيا، التي لم توقّع على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية المشتركة، تعتبر نهر دجلة شريانًا حيويًا لمصالحها الوطنية. كما ترى أن مرور النهر عبر الأراضي العراقية يمنح شركاتها فرصة لتوسيع مشاريع الري وتحسين كفاءة استخدام المياه، بما يعزز في الوقت ذاته التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وتوضح الورقة أن أنقرة تسعى إلى ما هو أبعد من ملف المياه، إذ تعمل على بناء معادلة “المياه مقابل الطاقة”، عبر الحصول على النفط العراقي مقابل إدارة الموارد المائية وتطوير البنية التحتية المشتركة.
وتسعى تركيا إلى ربط هذا التوجه بمشروع “مسار التنمية” الممتد من البصرة حتى الأراضي التركية، وهو ما تناولته وسائل إعلام تركية خلال الأشهر الماضية بوصفه خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة مع بغداد.
كما تعتبر الدراسة أن هذا التوجه يمثل دخولًا مباشرًا لتركيا في المشهد العراقي وملءً للفراغ الناتج عن تراجع الحضور الإيراني، بما يتماشى مع الرؤية الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، التي شجعت أنقرة على تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن روسيا، والاعتماد على النفط العراقي كبديل استراتيجي.
وتؤكد الورقة أن هذه التحركات لا تصب في مصلحة أنقرة وحدها، بل تخدم أيضًا الأجندة الأميركية الرامية إلى الحد من النفوذ الإيراني، وضمان وجود حليف استراتيجي موثوق في قلب الشرق الأوسط.
وترى الورقة أن التفاعلات الراهنة تمثل جزءًا من إعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي، حيث تتحول ملفات المياه والطاقة إلى أدوات ضغط ومساومة سياسية، في وقت يسعى فيه العراق للحفاظ على توازن دقيق بين القوى المتنافسة على أراضيه.
وفي ختام التقرير، يشير مركز رصد إلى أن العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق استراتيجي، إذ تتقاطع على أرضه مصالح ثلاث قوى رئيسية — إيران وتركيا والولايات المتحدة — في سباق للسيطرة على الموارد الحيوية وتوسيع النفوذ الإقليمي.